نداء إلى شيوخ الأزهر: «إذا كنتم تريدون التدين علماً وكتاب البخارى science فيجب أن تشطبوا وتلغوا كلمة ازدراء التى رفع على أساسها شيخ الأزهر قضية ضد إسلام بحيرى»، فالازدراء الذى تقصدونه، والذى دارت حوله حلقات ومناظرات إسلام، ومن قبله نصر أبوزيد وفرج فودة وجمال البنا وغيرهم، هو وقود التغيير فى العلم وشرطه الأساسى، فلو كان حوار العلماء واختلافهم ترجمة لما قالته د. فايزة خاطر، أستاذة العقيدة بالأزهر، والتى اتهمت إسلام بحيرى بأنه جنرال إسرائيلى ويجب إهدار دمه، لما تقدم العلم خطوة واحدة، ولو كانت المجامع العلمية والكليات الملكية تحت إشراف الدعوة السلفية التى طالبت بتطبيق حد الردة عليه، لظللنا فى مرحلة إنسان الكهف حتى هذه اللحظة! إن هؤلاء لم يمارسوا ازدراء عقيدة أو أديان، ولكنهم مارسوا ازدراء فهم أديان، أو بالأصح نقد فهم الأديان ومناهج تفسيرها وما اعتبره البعض مسلمات وبديهيات. لو درسنا تاريخ العلم الحقيقى لوجدنا أن تقدم العلم مرهون بما تسمونه ازدراء، ولو تفحصنا تطور الحضارة لوجدناه صاعداً على سلم هذا الازدراء. إذا كان النقد والتفكير والعقل والسؤال ورفض الوصاية ازدراء فمرحباً بالازدراء. جاليليو لولا أنه مارس الازدراء لأفكار العلم الراكدة ومسلمات أسلافه المريضة، لكنا حتى الآن نعيش أسرى فهم كنيسة العصور الوسطى لمركزية الأرض ودوران الشمس حولها، والتى آمن بها أيضاً مفتى الوهابية ابن باز ونشرها فى كتاب، مكفراً كل من قال إن الأرض كروية تدور حول الشمس!! لو كان إدوارد جينر، مكتشف تطعيم الجدرى، قد حوكم بتهمة الازدراء، لكنا حتى الآن ندفن ملايين البشر من ضحايا هذا المرض اللعين الذى كان يبيد مدناً بأكملها، ونحن نلطم الخدود ونمصمص الشفاه، قليلى الحيلة. لو كانت أوروبا قد استمعت واقتنعت بكلام الكنيسة التى هاجمت جينر، قائلة إنه قد عارض مشيئة الله بهذا التطعيم، لأن الجدرى هو عقاب ربانى على خطيئة البشر - وهو ما كرره زغلول النجار بنفس الفهم والألفاظ، تفسيراً لإعصار تسونامى وضحاياه ممن يرتدون البكينى على شواطئ إندونيسيا!! لعاشت أوروبا جحيم الجدرى والطاعون والسل وغيرها من عقوبات الخطايا!! لو كان العالم يفكر بطريقة طالبان التى تمنع وتحرم لقاح شلل الأطفال، بل تهاجم قوافل منظمة الصحة، لكنا مازلنا نضع أطفالنا المشلولين فى زنزانة التنفس الصناعى حتى يأتيهم الموت!! المجتمع العلمى بحق وحقيقى لا يغضب من النقد ولا يصاب بالهستيريا أو «يتقمص» حين يخرج عالم ليطيح بنظرية عالم سابق، بل على العكس يطالب العلماء ويلح المجتمع العلمى على النقد والمراجعة والتخطئة بكل صرامة ورحابة صدر، ومن يحضر المؤتمرات العلمية اللى بجد، والتى تستحق هذا الاسم، فسيشاهد الازدراء عن حق وبالصوت والصورة، ويا ويل العالِم الذى يعرض ورقته البحثية دون أدلة معتبرة ومراجع محترمة، فسيكون نصيبه النقد القاسى الذى يصل أحياناً إلى حد الشرشحة! لم يرفع المجتمع العلمى قضية ازدراء على أينشتاين، لأنه تمرد وخالف أستاذ الأساتذة ومرجع المراجع نيوتن وأتى بفيزياء جديدة، وكذلك أينشتاين لم يرغ ويزبد ويسب ويلعن أصحاب الكوانتم والكم الذين تجاسروا وتجرأوا وأضافوا وتخطوا فيزياء أينشتاين المقدس، ورثة نيوتن كانوا سعداء بتقدم العلم، وأينشتاين نفسه كان مبتهجاً بألوان الطيف النقدية التى دخلت على نظريته، العلم ليس فيه ملالى ولا كهنة ولا شيوخ، المعامل لا تحتمل مجامع الفقهاء أو الكرادلة أو البابوات، العلم يرفض محتكرى الكلمة الأخيرة وأصحاب نظرية لا تجادل يا أخى، وليس فيه مكان لأعضاء حزب «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، العلم فيه سؤال دائم وبحث مؤرق وفضول مزمن وعطش لا يرتوى، إذا قبلتم تلك الشروط الازدرائية النقدية، شيوخنا الأعزاء، فسنقبل أن نطلق عليكم علماء.